الاثنين، 14 يناير 2013

"سأنتصر لزوجي إن لم ينتصر له الرجال"

بقلم: فاروق موسى

الثاني والعشرون من نوفمبر من العام الماضي، فارق جعفر عز الدين زوجته الصابرة محملاً بسيارات الاحتلال العسكرية الظالمة متجهة به صوب السجون، لتبدأ رحلة أخرى من الابتلاءات اللامنتهية مع جيل قرآني فريد يأبى الخضوع والاستكانة مهما كان السبب وأياً كانت المعوقات، فجعفر عز الدين الذي دخل عِقده الخامس لم يكد يأخذ الاستراحة الكاملة من معركة الأمعاء الخاوية التي خاضها لما يقارب الشهرين، قضاها متمسكاً بالثبات على المبدأ الذي اعتقل من أجله مراتٍ ومرات، ومتحدياً الظلم العظيم الذي طالما طال الكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني الصابر.
أم حمزة، هي الأخرى لم تبتئس، صبرت هي وبناتها وولدها طوال شهرين من جوع زوجها، تحملت، وشاركت بالاعتصامات والتضامن، مع أيام من البكاء والنحيب الطويلين، فرحت أشدّ الفرح في عندما أُفرِج عن زوجها جعفر في الثلث الأخير من شهر تموز من العام 2012، فرحة لم تكتمل، فكان الثاني والعشرون من نوفمبر عنواناً للفراق القسري، فراق الزوج لزوجته.
خمسة أيام بعد الاعتقال، ثم كانت شرارةُ الأمعاء الخاوية مرة أخرى، لكن هذه المرة أعلنها عز الدين وزملاؤه قعدان وياسين حرباً على الاعتقال الإداري الظالم، وتحدياً لجبروت الاحتلال وظلمه، شعارهم في هذه المعركة "يا ربّ خذ من أجسادنا ولحومنا وقواتنا حتى ترضى"، تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً، زوجات وأولاداً وبنات صغيرات بعمر الورود، لجعفر زوجتان أنجب من أولاهما مؤمن ومأمون وبيان، ومن الأخرى حمزة ودانيا ويوسف ونصر، أما قعدان فله من الأطفال أربع بنات وولد هم : كربلاء وزهراء وكرامة وبتول وخالد، وياسين له والداه وأشقاؤه وذووه.
صبّرت أم حمزة نفسها اليوم تلو الآخر، لم تأبه لقلة المتضامنين مع زوجها في بداية الأمر، لكن ومع دخول إضراب زوجها أسبوعه الخامس، ومع وصول الأنباء عن تدهور حالته الصحية بشكل قد يشكل خطراً حقيقياً عليه، وأولادها من حولها يتساءلون عن والدهم ما الذي حصل، وأين وصلت حالته، وكيف هي صحته، وهي لا تجد جواباً يطفئ نيران صدورهم الملتهبة حزنا وشوقاً على فراق والدهم، ترى عيني حمزة وقد اغرورقتا بالدموع حزناً وكمداً على والده جعفر الذي ينحلُ جسده الهزيل يوماً بعد يوم، تنظر بعينها الأخرى إلى "نصر" فتراه يتقلب يمنة ويسرة تحصي شهور عمره القلائل، كيف لا وهو الذي سمته نصراً تلبية لوصية زوجها قبل أن يُولد قبيل انتهاء إضرابه الأول.
تقول أم حمزة: "لم يألُ زوجي جهداً بعد الإفراج عنه في نصرة المأسورين والمضربين، وكان دائم المشاركة في المسيرات والوقفات التضامنية مع الأسرى في كل مدن الضفة، من جنين إلى رام الله والخليل ومروراً بنابلس وغيرها من مدن الضفة المحتلة، لكن حجم المشاركة في التضامن معه في هذا الإضراب غير مقبول، ولا أجد له تفسيراً"، وتضيف وهي تذرف الدموع "أين الأحرار، أين الضمائر الحية، يبدو أنها ماتت وبحاجة لتبعث من جديد!".
لم تبتئس أم حمزة مما ترى، ومن ضعف الإقبال على التضامن مع زوجها جعفر الذي بلغ إضرابه ما يزيد عن شهر ونصف، فقررت أن تبدأ خوض معركة الإضراب المفتوح عن الطعام والاكتفاء بالسوائل، شعارها في ذلك فلتكن أجسادنا قرباناً للحرية المنشودة، واليوم وعلى شاشة فلسطين اليوم، فضائية الأسرى الحاضرة  دائماً في بيوت ووقفات التضامن مع المضربين عن الطعام، ظهرت أم حمزة وهي تذرف الدموع حزناً على زوجها وهي تقول "أنا لست راغبة بالجوع، أنا سأنتصر لزوجي إن لم ينتصر له الرجال!!"، تصفع بذلك أم حمزة وجوه رجالات فلسطين، وأولهم وجوه قادة فصائل فلسطين وحركاتها بكل أطيافها وتوجهاتها، فجعفر ليس ابن حركته وتنظيمه فحسب بل هو ابن الكلّ الفلسطيني المقاوم والرافض للظلم والطغيان! لقترب أم حمزة في إضرابها عن الطعام من إنهاء أسبوعها الثالث وأنا أكتب كلماتي هذه.
لو قُدّر لعز الدين وقعدان وياسين والعيساوي والشراونة أن يخرجوا من زنازينهم الباردة والتي تنفث بردها في أجسادهم النحيلة الطاهرة، ماذا تُراهم سيقولون !!؟ بمن سيستصرخون !!؟ لكن حسبهم أنّهم " فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى".

(المصدر: سرايا القدس، 14/1/2013)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق